الأحد، 11 أغسطس 2019

حكايات عن التعليم المرن (2)

<تنويه نشر هذا المقال أصلا في موقع ساسة بوست في هذا الرابط >

كما تحدثنا في المقال السابق، فإن منظومة التعليم الحالية لا تصلح لإنتاج فرد عامل متميز ومبدع، يمكنه أن يتجاوز عقبات الوضع الحالي في مجتمعنا ويتقدم إلى الصفوف الأمامية بما يقدمه من فكر وعمل. 
وإذا راجعنا أغلب قصص النجاح في التاريخ، فسنجد أنها تعود إلى العناية والرعاية المنزلية المبكرة والمخلصة، ويكفينا أن نعرف أنه طبقًا للكثير من الإحصاءات فإن معدل ذكاء الطفل المصري يعتبر من الأعلى في العالم، ورغم
ذلك تتعثر مصر في أي مسابقة عالمية، وكذلك تتأخر في أي ترتيب عالمي خاص بالتعليم أو الجامعات أو غير ذلك من المقارنات. 
فإذا كانت خامة الطفل جيدة، فلا بد أنه قد أهمل من قبل أبويه، ولم يتم استخراج ما فيه من مميزات وقدرات، ولم يتم وضعه في المجالات والبيئات المناسبة له. 
إذن فهي مشكلة الأبوين بالأساس، ومسؤوليتهما التي يحاول أغلب الآباء نقلها إلى المدرسة، فيلومون المدارس، بينما هم من سلموا أولادهم لها، ويكفينا الاطلاع على التناول المسطح في المناهج والتدريس لموضوعات مهمة مثل: التاريخ، والعوامل السياسية، ونشأة العلوم، وفلسفة التقدم العلمي، يكفينا مطالعة هذا لندرك كيف تقتل المدارس الإبداع، والتفكير النقدي، والتأمل في المسببات والنواتج، والعوامل التي تحرك عجلة التطور البشري.
ما تدعو له حركة التعليم المرن هو أن يسترد الوالدان الأمانة من تلك المدارس، وأن يقوما بالعمل الجاد في بناء أطفالهما بما يناسب احتياجات العصر الحديث، وبما يشبع احتياجات الأطفال من حب للعلم، ورغبة في التميز والتطور. 
إن عودة التحكم في المنظومة التعليمية إلى الأسرة يضمن أن يكون المشرف على التعليم هو أكثر المهتمين بالطفل والحريصين عليه: أي أهله ومجتمعه المحلي. إن التعليم المرن هو الوسيلة الوحيدة التي تسمح ببناء نظام تعليمي يكون محوره الطفل، وليس محوره “نظام المدرسة”، حيث يلبي التعليم حاجة الطفل للتعلم في المجالات التي يحبها، ويتعلم بالطريقة التي يفهم بها جيدًا، بدلاً من الطريقة الموحدة للشرح لكل أطفال الفصل. 
كما أن التعليم المرن يسمح للوالدين باستبدال المناهج التقليدية بأخرى، تتميز عنها بمزيد من الحداثة والتطور والإبداع، وتسمح أيضًا بالتوفيق بين المناهج المختلفة، وإدراج استخدام التقنيات الحديثة، ومهارات التفكير والبحث والاستقصاء كأدوات أساسية في دراسة أي مادة علمية. 
إن الطفل الذي يجد في أسرته الاهتمام والرعاية والتعليم، تتكون لديه روابط أسرية أقوى، ويتمكن من إخراج طاقاته ومجالات تميزه، من خلال استيعاب الأسرة له ولما يهتم به، وكذلك من خلال توفيره لكل الوقت المهدر في دورة اليوم المدرسي المتكررة. 
إن الواجب المدرسي الذي يعتبره الطفل نوعًا من القيد أو العقاب، يمكن ببساطة تحويله إلى نشاط ممتع، ويستغرق الطفل أكثر من أي لعبة كومبيوتر يضيع فيها وقته. 
وإذا قرر الأبوان بناء النظام التعليمي بصورة سليمة، فإن الطفل يتدرج في استقلاليته، إلى أن يصل سريعًا إلى تولي مسؤوليته التعليمية، أو تولي أكثرها (من الأمثلة الواضحة والمؤثرة في هذا الباب، قصة الفتى (لوجان لابلانت) -11 عامًا- وهو يصف خبرته الإنسانية المتميزة حين وافق أبواه على تحويله من النظام المدرسي إلى النظام اللا مدرسي الحر، ويمكنكم مطالعة قصته في هذا الفيديو الذي ألقاه في جامعة نيفادا الأمريكية

كذلك من التجارب العربية يمكنكم مطالعة شهادة خمسة أبناء ممن تعلموا بهذه الطريقة على هذا الرابط
تظهر الدراسات التي أجريت حول الطلبة المتعلمين لا مدرسيًّا في الخارج أن هناك عدة مزايا أو صفات أساسية لهؤلاء الطلبة: أنهم يكون أكثر استقلالية وحرية وقدرة على التعبير عن أنفسهم وأفكارهم، أنهم في الأغلب يتمتعون بعلاقات أقوى مع أسرهم، أنهم في المتوسط يتفوقون على طلبة المدارس العادية والخاصة باستمرار، أنهم يحظون بفترات أطول خلال دراسة أي موضوع في المناقشة والبحث والتفكير. 
هذه الدراسات – والتي أجريت في دول غربية متقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية- إذا ما جمعناها مع معلومات مثل تضاعف عدد الأسر التي تختار هذا النوع من التعليم سنويًّا في تلك البلدان، وأن الأسر التي تلجأ له غالبًا ما تكون من أسر الطبقات المتوسطة أو الأعلى من المتوسطة – حيث يحمل الأبوان شهادات رفيعة وغالبًا يعملان في وظائف مرموقة- وليست الأسر الفقيرة أو التي لا تحتمل مصاريف المدرسة. 
هذه كلها دلائل واضحة على مزايا التعليم اللا مدرسي المرتكز على الأسرة وأفرادها. 
وهكذا بعدما طرحنا جانبًا من مزايا التعليم المرن – ويمكنكم مراجعة الروابط بأسفل للمزيد من التفصيل حول مزاياه- ونتائجه المتميزة.
يبقى لدينا مجموعة من الأسئلة التي تظهر عادة في أذهان من يفكرون في تطبيقه عمليًّا (وخاصة في مجتمع غير معتاد على الفكرة، وغير معتاد على الجديد من الأفكار عمومًا)، مثل:
كيف ومن أين أبدأ؟ ما هي الخطوات التى تؤهلني لتطبيق التعليم المرن؟ ما هي الخطوات العملية التي يمكنني اتخاذها؟
سنقوم بتغطية أغلب هذه الأسئلة إن شاء الله في المقالات القادمة.. فتابعونا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق