الثلاثاء، 15 مايو 2012

عن مشاكل التعليم المدرسي نتحدث !

التعليم المدرسي بصورته الحالية نشأ بهدف تحسين معدل "إنتاج" المتعلمين في المجتمع, فبمدرس واحد يمكنك أن تنتج سنويا حوالي 100 طالب (في حالة أن الفصل به 20 تلميذا فقط, وأن المدرس سيدرس ل 5 فصول سنويا) ممن يتعلمون ما يريد النظام السائد تعليمهم إياه!
وقد تأثر هذا النظام بالفكر الصناعي الذي ينتج كل شيء بالجملة عن طريق استخدام ماكينات الصب التي تضع السائل في قالب جاهز محدد و جامد ويترك السائل ليتجمد على هذه الصورة التي تشبه ملايين المنتجات مثلها.
من العوامل التي رسخت قواعد التعليم المدرسي اتجاه الأبوين للعمل لعدد كبير من الساعات, إلى جانب عدم أهليتهم أو قدرتهم على مباشرة تعليم الأبناء, فبالتالي صار من الأسهل عليهم أن يوكلوا مهمة التعليم لغيرهم من المؤسسات, التي ستعلمهم تعليما ما في الفصول.
ومع الوقت ظهرت المشكلات الكبيرة في نظام الإنتاج بالجملة هذا,
فالمدرسين لم يكونوا دائما على قدر الامانة, وظهر بينهم من لا أخلاق لهم ولا ضمير ولا إتقان. والطلبة زادت أعدادهم بمعدل تصاعدي , فصار الفصل فيه 30 ثم 50 حتى وصل في مدارس مصر الحكومية إلى 100 وأكثر في فصل واحد
كذلك تسلطت النظم الشمولية على مصر وغيرها, وصارمن أهدافها نشر الخنوع والاستسلام للسلطة, وتدريجيا , فقدت المدارس دورها في غرس الإيجابية و يقظة الضمير, كما انحدر المستوى التعليمي تدريجيا ليصير اليوم الدراسي كله في حدود 4 ساعات ينصرف بعدها الطلبة ليفسحوا المجال للفترة المسائية.
رأينا مدارس يتوحش الأساتذة فيها, فيجبرون الأولاد على الالتحاق بدروسهم الخاصة , ويقمعون من يذهب لغيرهم. ورأينا منهم من يتفنن في تعذيب الطلبة بالضرب والإهانة, بل ورأينا منهم من يوزع ويتعاطى المخدرات في المدرسة ويتحرش جنسيا بطلبته.
رأينا طلبة يتوحشون, فيتعدى بعضهم بالسب والضرب على الأساتذة, و "يبلطج" على زملائه في المدرسة ويفرض عليهم الإتاوات.
رأينا نظاما تعليميا ليس فيه إلا الحفظ, وينجح أغلب طلبته بالغش والرشوة
رأينا مؤسسة تعليمية تجد في طلبتها أميين لا يقرأون ولا يكتبون ولا يحسبون, ناهيك عن أن يتعلموا الأخلاق والآداب.
رأينا نظاما مدرسيا يزيف الحقيقة, فينجح فيه الطالب بمجموع 99% فقط ليرسب في أول سنة له بالكلية !!

والنتيجة:
فرار من كان قادرا ماديا أولا إلى حلول الدروس الخصوصية ليتناولوا كبسولة الامتحانات التي تلقنهم أفضل إجابة لكل سؤال يتكرر في الامتحانات.
فرار من كان قادرا ماديا أكثر من نار المدارس الحكومية إلى مقلاة المدارس الخاصة, التي تتحكم في المصاريف كما تشاء, وفي جودة المدرس كما تشاء, ولا ترى لها معايير واضحة وشفافة في تقييم أداء المدرسين. ثم كانت المفاجأة أن هؤلاء أيضا صاروا من زبائن الدروس الخصوصية وربما أكثر من المدارس الحكومية, لاتساع نطاق الاختيار.
عجلة تطوير التعليم والمناهج وطرق الاختبار تدور ببطء شديد لأن المؤسسة صارت أكثر ترهلا ولم تعد قادرة على مواكبة مافي العصر من تطورات متلاحقة.
إهمال الجوانب الإنسانية والأخلاقية في مقابل التركيز التام على الدرجات والمجموع, حتى ولو على حساب الاستيعاب لما يتعلمونه.

والحل:
أولا يجب على الأبوين أن يتحملا المزيد من المسؤولية في تعليم الأولاد, لا يكفي فقط أن تبحث له عن مدرسة جيدة أو مدرس مشهور. يجب على الأبوين أن يطورا من نفسيهما, وأن يدركا أن الحياة الناجحة تحتاج أفرادا متطورين, ناضجين من جوانب متعددة وليس فقط مدرسيا. الابن أمانة لا تعطيها حقها فقط بتعليمه كيف يحل الامتحان ويحصل على درجة جيدة.

مؤسسات تطوير التعليم, والتعليم المساعد والموازي يجب أن تشهد نقلة نوعية وكمية, فلا يكفي أن تقتصر على تدريبات صيفية أو أنشطة للأجازة, بل يجب أن تهاجم المناهج الدراسية لتبين للناس أن هناك طرقا أخرى لتقديم العلوم والآداب.

المؤسسات الإعلامية يجب ان تتحمل دورها في نشر الوعي حول نظم التعليم وأهمية تطويره, وأخبار التعليم المختلفة.

المؤسسات القانونية يجب أن تفسح المجال لتعددية النظم التعليمية المنضبطة بقواعد واضحة, مما يخلق تنافسية في المجال وهو ما يضمن مزيدا من التطور والتقدم.

المؤسسة التعليمية الحكومية, يجب أن تكف عن سياسة دفن الرأس في الرمال, وأن تقوم بتعديلات جذرية لمواجهة التحديات الواقعية من انتشار الأمية في طلبة المدارس, وانحدار مستواهم الأخلاقي, وعدم أهلية المدرسين علميا وتربويا, وازدحام الفصول وقلة عدد المدارس, وجمود طرق الاختبار والتكرار فيها.

هناك تعليقان (2):