الجمعة، 16 نوفمبر 2018

العالم هو صفك الدراسي: فرص تعليمية من الحياة اليومية

<نشر هذا المقال سابقا في قسم التعليم بموقع هافنجتون بوست العربي عام 2017>
حينما احتكرت المدرسة التعليم بين جدران الفصول وخلف أسوار المباني, تحول العلم إلى وسيلة لتحقيق الدرجات وفقدنا القدرة على التمتع بأثر العلم والفهم في حياتنا اليومية. لقد صار أطفالنا ينفرون من كلمة "تعلم" ويعتبرون أن للعلم "وقت" و "مكان" وبعدها لا يحتاجون لإعمال عقولهم فلا توجد فائدة من ذلك ﻷنه لا توجد درجات عليه!

إن العلم لم يكن يوما وسيلة لتحصيل الدرجات أو الوظائف, بل هو نتاج قوة دافعة حركت
البشرية عبر القرون مزيد من التطور من خلال فهم الكون والتفاعل معه. ولعل أول من انتبه لهذه المفارقة الكبيرة بين دور المدرسة التقليدية وبين الدور الحقيقي للعلم والتعلم, كان المعلم الكبير (جون ديوي)  الذي أفرد كتابا في غاية التميز عن ربط المجتمع بالتعلم وعن كون المدرسة جزءا فعالا من المجتمع وليس جيبا معزولا عنه وأسماه (المدرسة والمجتمع) والذي صار مرجعا أساسيا لأغلب حركات تطوير التعليم والتي أدت إلى الفارق الكبير الحالي بين التعليم في الدول المتقدمة وبين التعليم التقليدي.

ولعل من الصعب على الكثيرين تصحيح هذا الوضع القائم بسبب اعتيادنا له, مما جعلنا لا نعي بوجود فرص تعليمية كبيرة ومتنوعة في الحياة اليومية بيننا وبين أطفالنا. إن الفرصة قائمة ومتاحة لتكون علاقتك بأطفالك يوميا هي عبارة عن دائرة لا تنتهي من التطور والتفكر والتعلم, فقط بشرط أن يكون لديك كولي أمر الاستعداد المناسب والرغبة الصادقة في اغتنام تلك الفرص. وفي هذا المقال سأفرد لكم مجموعة من المواقف اليومية المتكررة والتي تمر بنا مر الكرام بينما توجد فيها فرصٌ تعليمية مميزة.

الموقف: سنتمشى من البيت إلى البقالة
العمر المستهدف: 7 إلى 9 سنوات
الفرص التعليمية:
1) دعنا نتعلم القليل عن الاتجاهات الأساسية شمال وجنوب وشرق وغرب, يمكن استغلال موقع الشمس لتحديدها بالتقريب وتعويد الطفل على الإحساس بالاتجاهات الأساسية
2) دعنا ندرك الزمن, لنحسب سويا الزمن الذي سنأخذه للذهاب, ونقارنه بزمن الإياب, ويمكن أيضا أن نقارن الزمن بطريق آخر بديل لندرك أيهما أسرع
3) دعنا ننمي الحس المكاني, عند عودتنا يطلب من الطفل أن يرسم خريطة بالاتجاهات من البيت إلى البقالة, حاول مساعدته على تقدير المسافات بالتقريب ثم قارن الخريطة بخرائط جووجل على الحاسب
4) فلننظم أنفسنا, اطلب من طفلك أن يكتب قائمة المشتريات وأن يراجعها معه وأنتم في محل البقالة
5) فلنكن يقظين, اطلب من طفلك أن يراجع أوزان العبوات وتواريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية على كل منها
6) راجع الحساب, اطلب من طفلك أن يسأل عن أسعار المشتريات ويحسب المجموع الكلي وهل هناك حساب متبقى من المبلغ معه (يمكنك أن تبدأ أولا بأن يحسب هو وتقارن بالحساب الفعلي ثم تطور اﻷمر إلى أن يقوم هو بالمحاسبة الفعلية بعد اطمئنانك لمستواه)

الموقف: سنتنزه في الحديقة
العمر المستهدف: 10 سنوات
الفرص التعليمية:
1) لندرس النباتات وأنواعها: اطلب من طفلك أن يجمع عينات من أوراق الشجر ويقوم بتصوير الشجرة وترقيم العينة وقياس قطرها أو ارتفاعها التقريبي. اطلب منه أن يدون ملاحظاته حولها (هل هي جافة وخشنة, هل جذعها مصمت أم مجوف, هل تحط عليها طيور كثيرة أو توجد عليها أعشاش, هل توجد حشرات مميزة حولها؟) ثم يقوم بتبويب تلك الملاحظات في كراسته مع العينة تحت رقم معين. يمكنكم لاحقا أن تبحثوا عن تلك الأشجار باستخدام الصور لمعرفة اسمها والمزيد عنها.
2) لنراقب الحشرات: قوموا بملاحظة تصرفات الحشرات على الأرض, كيف تدخل وتخرج جحورها, كيف تتصرف, قوموا بتصويرها وحاولوا عرقلة مسارها لتروا كيف ستتفادى العوائق. وطبعا التقطوا صورا لها من أجل البحث والتصنيف لاحقا.
3) لنتعلم القليل من الرياضيات العملية: تريد أن تقيس طول شجرة عالية جدا؟ يكفيك أن تعرف طولك أنت ثم تقيس طول ظلك وطول ظل الشجرة, النسبة بين الطول الأصلى والظل ثابتة دائما وبهذا تحسب طول الشجرة دون التسلق أعلاها.
4) فلنراقب الشمس والظلال: قم بغرس عصا متوسطة الحجم في الأرض ثم قم بقياس طول ظلها مرة كل نصف ساعة, كرر العملية عدة مرات وستصبح عندك ساعة شمسية تقيس الوقت بمعرفة طول الظل, يمكنك أن تعيد استخدامها في البيت لتخمن الوقت من طول ظل العصا
5) فلنستمع للهواء: قم بتفقد الرياح بإصبعك لتعرف إلى أن تتجه, وسجل مع طفلك التغير في اتجاه الرياح في بداية الرحلة ووسطها ونهايتها, حاولوا سويا تحديد الاتجاهات الأساسية وتقدير اتجاه الرياح بالنسبة لها (شمالية غربية, شمالية ...الخ) ثم تفقدوا دقة نتائجكم من على شبكة الانترنت. اطلب من طفلك أن يرسم اتجاهات تلك الرياح على نسخة من خريطة الحديقة بعد تحديد الاتجاهات الأساسية عليها

الموقف: ترتيب مكتبتك الخاصة (لديك مكتبة أليس كذلك؟)
العمر المستهدف: 5 إلى 7 سنوات
الفرص التعليمية:
1) فلنقرأ: اطلب من طفلك أن يقرأ لك عناوين الكتب وأنت ترصها, قم بتصحيح النطق له واشرح له من معاني الكتب ما تراه مناسبا, إنها فرصة طيبة لتثير فضوله بخصوص تلك الكتل الصماء
2) فلنرتب: اطلب من طفلك أن يرتب الكتب من الصغير للكبير, وأن يتأكد من تجميع السلاسل مع بعضها إن وجدت (ولو كان يمكنه حاول أن تجعله يرتبها حسب رقم الجزء)
3) فلنخمن: أثبتت الدراسات أن تدريبات التخمين العددية تقوي الطفل في الحساب, فاطلب من طفلك أن يخمن عدد صفحات الكتب المختلفة, واجعل الأمر كما لو كان مسابقة وهي فرصة طيبة أيضا لتدريبه على قراءة ومقارنة الأعداد الأكبر من 100
4) فلنبن: قم ببناء ركن في المكتبة خاص بطفلك وجهز له كتب مناسبة لعمره وشجعه أن يقوم بترتيبها كما فعلت أنت في مكتبتك
5) فلنكتب: اطلب من طفلك أن يكتب أسماء الكتب في أحد الأرفف من مكتبتك, قم بتعليق القائمة عند الرف تشجيعا له وأعطه مكافئة مناسبة, هذه فرصة طيبة ليتدرب على الكتابة

الموقف: ترتيب الملابس المغسولة
العمر المستهدف: 2 إلى 3 سنوات
الفرص التعليمية:
1) فلنعد: قم بالتمرين على العد من واحد إلى عشرة (أو أكثر حسب مستوى طفلك) فهو تمرين محبب للأطفال, كما يمكنكم أن تعدوا بطريقة منغمة لمزيد من التسلية
2) فلنفرد ونتأمل: قم بتوجيه طفلك ليقوم بفرد قطعة من الملابس, حاول أن تجعله يتأمل ألوانها وقم بتسمية المكونات له (جيب, كم, أزرار ..الخ)
3) فلنصنف: قم مع طفلك بعمل لعبة "لمن هذه الملابس" وحاول أن تساعده على تخمين من يملك كل قطعة من الملابس (قميص بابا, تنورة ماما, منامة الطفل الجميلة ...الخ)
4) ألوان ألوان: ترتيب الملابس فرصة جيدة لتسمية الألوان المختلفة وتمييزها عن بعضها, قم بتكرار أسماء الألوان مع طفلك إلى أن تتأكد من أنه استوعبها

وأخيرا فإن هذه المواقف ليست إلا أمثلة مختصرة وسريعة, بينما الحياة اليومية أكثر ثراءا بكثير وتعدكم بفرص تعليمية أكثر فاعلية. رما يبدو الأمر صعبا على ولي الأمر في بدايته ولكن بالتدريب وتكوين عادة الملاحظة, ستجد دائما فرصة مناسبة لاستثمار أوقات أطفالك في التعلم العملي الفعلي.


هناك 3 تعليقات:

  1. ياريت حد يفدني هل طريقه التعليم دي تنفع مع ولد فرط حركه وتشتت انتباه

    ردحذف
    الردود
    1. يرجى إشراك الطفل في الأنشطة و تحميله المسؤولية لتصبح حركته محسوبة بعد أن كانت عشوائية.

      حذف